نبدأ الحياة بصرخة الميلاد .. التى تعلُن أن دماء الحياة الجديدة قد تفجرت فى عروقنا
وتنتهى الحياة مع أخر شهيق يسحبُ كل تلك الدماء و يوقفُها عن إكمالِ مسارِها
ثانية .. يستغرقُ الأمر ثانية .. ليبدأ كل شئ أو ينتهى كل شئ
و بين صرخةٍ و شهيق نموتُ و نحيا ألف مرةٍ .. نضِلُ ونهتدى كثيراً
بين صرخةً و شهيق نُدركُ بعض الأمور .. البعضُ منها فقط و بعضنا لا يدركُ شيئًا حتى يُدركهُ الفناء
فى البداية نجوعُ نعطش .. نجوعُ لصدرٍ رائحتهُ تشبه تلك التى أحاطط بنا تسعةَ أشهر
و نعطش للحظةِ سكونٍ هانئة نكفُ فيها عن الصراخ .. وهكذا تسيرُ الأمور حتى الكِبَر نُلبى إحتياجاتِنا بين عطشٍ و جوع
عطشٍ للألعابِ و جوعٍ للحلوى , عطشٍ لدراجة تشبهُ دراجة صديق و جوعٍ لسيارةٍ بريموت كنترول أو دُمية كبيرة
ثم عطشٍ لللهو مع الأصدقاء و جوعٍ للتخلُص من الواجبات المدرسية المٌمّلة
يتبعهُ عطشٍ لتقليد هؤلاء الصبيه الناضجين أو وضع بعض المساحيق الملوّنة على الوجه مثل أمهاتنِا
و عطشٍ لأولِ حبيبٍ يهدينا الورود التى نظنُ بعدها أن الدُنيا قد أصبحت فى راحةِ أيدينا
ثم جوعٍ لحُلمٍ يستعصى علينا بداية الأمر ثم تحولُ بيننا و بينه عدة خطواتٍ فقط
ثم عطشٍ لتلك الوظيفة التى ستُمكنُنا من شراء بعض الملابس الجديدة و التسكُع مع الأصدقاء نهاية الأسبوع
و جوعٍ لسيارةٍ تشبهُ تلك التى يمتلكُها أحدُ أقاربنا فلم تعد ترضينا هذه الوظيفة او تليقُ بنا
ثم عطشٍ للمال و للمناصب و جوعٍ لكل ما يعمى بريقهُ العيون
و مع تعاقُب السنين ننساقُ و ننغمس فى تلك المتاهات , وقليلون هؤلاء من يصومون
من يمنعون النفس عن الهوى و يدركون ان رحلة الدنيا غايتها السمو بالنفسِ و الروح
فمابالنا نسعى لأعلى دائماً ومهما فعلنا تدنو الدنيا بنا
بين صرخةٍ و شهيق بعضنا يجدُ نفسه و البعض الآخر يضيعُ من نفسه
فجميعنا ندور فى هذه الحلقات المفُرغة أمليّن فى الهروب , و الحقيقة أننا لا نهربُ سوى من أنفُسِنا
بعضنا تشيعُ الضجة فى أرجاء العالم لموته و البعض الآخر يرحل فى سكون دون أن يحفل أحد
بين صرخةٍ و شهيق أكثر من مجرد حرف عطفٍ يجمعُ بينهما .. بل حياة
بتقلُباتِها و أوجاعها و أفراحِها , بين صرخةٍ و شهيق ألف حضورٍ و غياب
و ياليتنا لمّا نغيبُ نترُكُ فى هذه الدنيا بصمةً أو نتركُ حتى بسمةً تُذكّرُها أننا يوماً .. كُنا موجودين
و ياليتنا لمّا نغيبُ نترُكُ فى هذه الدنيا بصمةً أو نتركُ حتى بسمةً تُذكّرُها أننا يوماً .. كُنا موجودين
.يا قلبُ أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ صبراً فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا**